حي الحبوس: بوابة الزمن الساحرة في الدار البيضاء

 




المقدمة

حين تخطو إلى حي الحبوس في الدار البيضاء، تشعر وكأنك دخلت صفحةٍ من كتاب تاريخي حيّ — الأزقة تفوح برائحة البهارات والكتب، والأبواب الخشبية المزخرفة تروي قصصًا عن زمنٍ تمازجت فيه روح الحبوس القديمة مع تخطيط المدينة الجديدة. هذا الحيّ ليس مجرد حيّ، بل هو تجربة ثقافية ومعمارية تجمع بين التقليد والحداثة بطريقة فريدة. ✨ 


تاريخ وأصل التسمية

يعود تأسيس حي الحبوس إلى فترة الحماية الفرنسية على المغرب؛ بدأت المخططات الأولى عام 1916-1917 ضمن مشروع لإقامة «مدينة جديدة» تُحاكي نمط المدينة التقليدية المغربية لكن مدعومة بمرافق حديثة لتفادي اكتظاظ المدينة العتيقة. كانت فكرة المشروع دمج العمارة التقليدية مع معايير التخطيط الأوروبي — وهو ما جعل الحيّ يشكل «مدينة داخل المدينة» تُعرف أحيانًا بـ«المدينة الجديدة» التقليدية. يُشتق اسم «الحبوس» من كلمة «الوقف/الحبوس» التي تشير إلى الأملاك المُوقوفة للأغراض الدينية والخيرية، وقد ارتبط الاسم بوجود مؤسسات دينية ومرافق ثقافية في الحي. 

المخططون والمهندسون الفرنسيون مثل ألبير لابراد (Albert Laprade) وإدموند بريون (Edmond Brion) وأوغست كاديه (Auguste Cadet) أخذوا على عاتقهم إعادة تشكيل الحيّ على شكل «مدينة جديدة» تعتمد الشوارع المنظمة مع لمسات وزخارف مغربية تقليدية، مع ضمان شبكات صرف ومرافق حديثة.


Albert laprade

                                                                                 Albert Laprade                                            


المعالم المعمارية الفريدة

ما يميّز حي الحبوس هو مزيجه المعماري: واجهات موزونة، أبواب خشبية مزخرفة، بلاطات زخرفية، وأبراج صغيرة تذكّر بطراز المدن الإمبراطورية (فاس، مراكش) ولكن على أساس تخطيط عصري. من المعالم التي تستحق الوقوف عندها:

  • المساجد ذات المآذن المصغرة والتصاميم الاسلامية المستوحاة من العمارة التقليدية. 

  • المبانِي العامة والمتاجر ذات الواجهات التقليدية التي تم تصميمها لتبدو كجزء من «مدينة قديمة» لكن داخل شبكة شوارع منظمة. 

  • مكتبات ومحلات كتب تُعدّ من أهم سمات الحي، إذ جعلت من الحبوس مركزًا ثقافيًا يلتقي فيه القارئ والباحث مع باعة الكتب العتيقة والحديثة. 

هذا المزج بين الطراز المغربي التقليدي والتخطيط الأوروبي الحديث ليس صدفة، بل نتاج سياسة عمرانية حاولت احترام الهوية المحلية مع إدخال خدمات البنى التحتية الحديثة — وهو ما يجعل الحبوس مثالًا حيًا على «المدينة النيو-مغربية» أو «المدينة الجديدة التقليدية».



 


الأسواق التقليدية (السوق القديم)

لا يكتمل وصف الحبوس دون المرور بأسواقه. سوق الحبوس هو قلب الحيّ — ممرات صغيرة، أكشاك تعرض منسوجات، سجاد، فخار، عسل، توابل، ومقاهي صغيرة تقدم شاي النعناع. الباعة هنا يُقدّمون تجربة شرائية تختلف عن الأسواق الحديثة: المساومة فن، والتعامل إنساني، وكل عنصر له قصة. بعض محلات الكتب المتخصصة تعرض نسخًا قديمة ونادرة جعلت من الحبوس وجهة للباحثين وهواة الكتب التاريخية. 

كما أن السوق يُعد مكانًا ممتازًا لالتقاط صور معمارية وللحصول على هدايا تذكارية تقليدية: مصنوعات فخارية، نحاسية، أو بضائع حرفية محلية. احتفظ بمهارة المساومة وابتسامة؛ فهي جزء لا يتجزأ من تجربة السوق. 😊


 


نصائح للزوار

  1. أفضل وقت للزيارة: الصباح والمتأخر بعد الظهر — حيث يكون الضوء جميلًا والأسواق في نشاط معتدل.

  2. التجول سيرًا: الحبوس قابل للاستكشاف سيرًا؛ أزقته ضيقة وجميلة للمشي والتصوير.

  3. المساومة بلباقة: في الأسواق التقليدية، المساومة أمر متوقع لكن حافظ على احترام البائع.

  4. احترس من السرقات الصغيرة: كأي منطقة سياحية، انتبه إلى ممتلكاتك.

  5. تذوّق المأكولات المحلية: جرّب المأكولات الشعبية والمقاهي الصغيرة — تجربة الطعم جزء من الزيارة.

  6. تعلم كلمات بسيطة بالعربية الفصحى أو الدارجة: كلمة شكر أو صباح الخير تُفتح بها أبواب ودّ السكان المحليين.

  7. احترام الأماكن الدينية: ارتدِ ملبسًا لائقًا عند زيارة المساجد واطلب الإذن قبل التصوير داخلها. 







FAQ — أسئلة متكررة

س: من متى يعود تاريخ حي الحبوس؟
ج: يعود تأسيسه لمبادرات التخطيط العمراني خلال فترة الحماية الفرنسية ابتداءً من 1916–1917، مع اكتمال مراحل مهمة من بنائه خلال العشرينيات والثلاثينيات. 

س: لماذا سُمّي "الحبوس"؟
ج: الاسم مشتق من مفهوم الـ«حبوس/الوقف» المرتبط بالأوقاف العقارية والخيرية، وقد تبنّى الاسم لأن الحي احتوى مؤسسات ومرافق دينية وثقافية مرتبطة بهذا المفهوم. 

س: هل يعتبر الحبوس "مدينة قديمة" أم جزء من المدينة الجديدة؟
ج: يُنظر إليه كـ«مدينة جديدة» ذات طابع تقليدي؛ فهو خلق كنسخة منظمة من المدينة التقليدية (المدينة العتيقة) داخل إطار التخطيط الحديث، لذلك يجمع بين مصطلحي "الحبوس القديمة" و"المدينة الجديدة". 

س: هل توجد جولات سياحية رسمية؟
ج: نعم — الكثير من مرشدي السياحة في الدار البيضاء يدرجون الحبوس ضمن جولات المشي المعمارية والثقافية. كما يمكن استكشافه بشكل مستقل. 


الخاتمة

حي الحبوس في الدار البيضاء هو أكثر من مجرد حيّ— إنه سجل حيّ للتاريخ العمراني والثقافي للمغرب في القرن العشرين. بواجهاته المزخرفة، أسواقه المفعمة بالحياة، ومكتباته التي تعج بالكنوز الورقية، يقدّم الحبوس نموذجًا فريدًا عن كيف يمكن للتقليد والحداثة أن يتقابلا ويولّدا مساحةً إنسانية نابضة. إن كنت من محبي التاريخ، العمارة، أو التسوق الحِرفي، فالحبوس ينتظرك بابتسامة أبوابه الخشبية ورائحة القهوة والشاي. 🌿📚 

 





تعليقات